جرائم مليشيا الدعم السريع في معسكر زمزم استهداف عرقي يهدف إلى تصفية المساليت
يشهد معسكر زمزم للنازحين، الواقع جنوب مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، سلسلة من الانتهاكات المروعة التي ترتكبها قوات الدعم السريع، المعروفة باسم “الجنجويد”، بحق المدنيين العزل. هذه الجرائم، التي تتسم بطابع عرقي واضح، تستهدف بشكل رئيسي قبيلة المساليت وغيرها من المجتمعات غير العربية، في محاولة ممنهجة للتهجير القسري والتطهير العرقي، مما يفاقم المأساة الإنسانية في المنطقة.
واخر الهجمات كانت اليوم الحادي عشر من أبريل 2025، خيث شهد معسكر زمزم للنازحين هجومًا وحشيًا جديدًا نفذته مليشيات الجنجويد، حيث أسفرت هذه الهجمات عن مقتل ما لا يقل عن 35 مدنيًا وإصابة أكثر من 60 آخرين بجروح متفاوتة. وتستمر عمليات القتل والعنف دون توقف، مما يفاقم الوضع الإنساني الكارثي في المعسكر، وسط غياب تام للحماية الدولية واستمرار استهداف المدنيين العزل بغرض التصفية العرقية.
معسكر زمزم: ملاذ تحول إلى جحيم
يعد معسكر زمزم من أكبر معسكرات النازحين في السودان، حيث يؤوي أكثر من مليون ونصف المليون نازح، فروا من ويلات الحرب والعنف في دارفور منذ عام 2003. ورغم أن المعسكر كان يُفترض أن يكون ملاذًا آمنًا، إلا أنه أصبح هدفًا متكررًا لهجمات قوات الدعم السريع. ففي ديسمبر 2024، تعرض المعسكر لقصف مدفعي مكثف أدى إلى إطلاق نحو 37 قذيفة على الأسواق ومراكز الإيواء والمستشفيات، مما خلّف عشرات القتلى والجرحى ودمارًا واسعًا في البنية التحتية الهشة أصلًا.
الطابع العرقي للجرائم
تكشف الأحداث في زمزم عن نمط ممنهج من العنف العرقي. فقد أشار تقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش في مايو 2024 إلى أن قوات الدعم السريع وحلفاءها من المليشيات العربية يستهدفون المساليت بشكل متعمد، بهدف طردهم من المنطقة بشكل دائم. هذا الاستهداف يتجلى في هجمات متكررة على القرى والمعسكرات التي تسكنها هذه القبيلة، مصحوبة بحرق المنازل، ونهب الممتلكات، وقتل المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال. وفي نوفمبر 2023، قُتل ما لا يقل عن ألف شخص من المساليت في ضاحية أردماتا بالجنينة، في مثال صارخ على هذه الجرائم.
في زمزم، يُتهم الجنجويد باستخدام القصف العشوائي والغارات العسكرية لترهيب النازحين ودفعهم للفرار، مما يُسهم في تغيير التركيبة الديموغرافية للمنطقة. وقد وصف نازحون هذه الهجمات بأنها تهدف إلى “إبادة مجتمعات سكانية معينة”، في إشارة واضحة إلى الدوافع العرقية التي تحركها.
تبريرات واهية واستخدام المدنيين دروعًا بشرية
تُبرر قوات الدعم السريع هجماتها على زمزم بادعاءات واهية، مثل وجود قوات مشتركة داخل المعسكر تُستخدم كدروع بشرية. لكن مصادر محلية ودولية، بما في ذلك تقارير منسقية النازحين، نفت وجود أي قواعد عسكرية داخل المعسكر، مؤكدة أن المدنيين هم الهدف الرئيسي لهذه الهجمات. هذه الادعاءات ليست سوى ذريعة لتبرير العنف الممنهج ضد السكان العزل.
الوضع الإنساني: كارثة مستمرة
إلى جانب العنف العرقي، يعاني سكان زمزم من حصار مشدد يمنع وصول المساعدات الإنسانية، مما أدى إلى تفشي المجاعة وارتفاع معدلات الوفيات نتيجة الجوع والمرض. وفي أغسطس 2024، أكدت تقارير التصنيف المرحلي للأمن الغذائي أن المعسكر يواجه مجاعة حادة، بينما يعيش النازحون في ظروف لا إنسانية، محرومين من الغذاء والدواء والمأوى الآمن.
المسؤولية الدولية والحاجة إلى تدخل عاجل
إن استمرار هذه الجرائم دون محاسبة يعكس فشل المجتمع الدولي في حماية المدنيين في دارفور. فقد دعت منظمات حقوقية، مثل هيومن رايتس ووتش وأطباء بلا حدود، إلى فرض عقوبات على قادة قوات الدعم السريع، بمن فيهم محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وفتح تحقيقات دولية لمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب والتطهير العرقي. كما أكدت الأمم المتحدة على ضرورة حماية معسكرات النازحين، التي تُعد محميات بموجب القانون الدولي الإنساني.
خاتمة
إن ما يحدث في معسكر زمزم ليس مجرد هجمات عسكرية، بل جزء من مخطط أوسع لتغيير الهوية العرقية لدارفور من خلال استهداف المساليت وغيرهم من المجتمعات غير العربية. هذه الجرائم تتطلب تحركًا دوليًا عاجلاً لوقف العنف، وتوفير الحماية للنازحين، ومحاسبة الجناة. فالصمت إزاء هذه المأساة لن يزيد سوى من معاناة أولئك الذين فقدوا كل شيء إلا الأمل في العدالة.
المصادر:
- تقرير هيومن رايتس ووتش، مايو 2024
- تقارير سودان تربيون ودبنقا، ديسمبر 2024 وفبراير 2025
- تصريحات منسقية النازحين ووالي شمال دارفور
Share this content:



إرسال التعليق